
يمكن لأمريكا (إذا أرادت) أن تحث دول مجلس التعاون الخليجي على الإصلاح
الكرة في ملعب بايدن الآن، يمكنه فعل الكثير لتحفيز التطور الديمقراطي في دول مجلس التعاون الخليجي ، لكن إذا اختار التمسك بالمواقف الأمريكية التقليدية، فذلك سيكون سداً بوجه أي تقدم.
السلطات في الخليج ومجمل العالم العربي تستمع دائماً للأمريكيين وتهتم بتعليقاتهم بدرجة أعلى بكثير من الضغط الداخلي لأنها قادرة على إسكاتها بالاعتقال أو السجن أو النفي.
بعد خمود ثورات الربيع العربي، واصلت الولايات المتحدة تقديم نفسها كحليف للأنظمة الاستبدادية باسم الاستقرار في دول مجلس التعاون الخليجي وفي جميع أنحاء العالم العربي مما أدى لازدياد حملات القمع ضد النشطاء والحركات الديمقراطية.
بالنسبة لمعظم التاريخ الحديث للخليج ، كانت الدول العربية في المنطقة – ولا سيما الدول الست التي انضمت معاً في مجلس التعاون الخليجي – تتمتع بعلاقة قوية فريدة ومثمرة مع الولايات المتحدة. بعد تراجع النفوذ البريطاني وانسحابه من الخليج عام 1971، سرعان ما أدركت الدول العربية أن الهيمنة الأمريكية يمكن أن تحقق استقراراً كبيراً في المنطقة، وشكلت طبيعة هذه العلاقة فيما بعد محددات العمل السياسي الخليجي على المستوى الدولي. ساعدت العلاقة القوية بين دول الخليج والولايات المتحدة على تعزيز النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط. أيضاً ضمنت الولايات المتحدة من بعض النواحي الاستقرار والسيطرة لدول الخليج ، مما جعل العلاقة مفيدة للطرفين.
التكاليف الخفية للصداقة الأمريكية
ومع ذلك، من الواضح الآن أن التحالف مع أمريكا كان له ثمن. فقد واجهت دول الخليج العديد من المشاكل السياسية والدبلوماسية بسبب علاقتها مع الولايات المتحدة. وقد جعلهم التحالف عرضة لانتقادات من خصومهم في المنطقة، بالإضافة إلى انتقادات داخلية من جانب المجتمع الخليجي الذي كان غير مرتاح لتزايد النفوذ الأمريكي في المنطقة. وجدت حكومات الخليج صعوبة في تجنب أو التقليل من الرمزية التي تمثلها الولايات المتحدة كراع للإمبريالية والرأسمالية في العالم، بالإضافة إلى مواقفها المثيرة للجدل وغير الشعبية من قضايا الشرق الأوسط، والقضية الفلسطينية على وجه الخصوص.
أعطى التدخل الأمريكي في حرب الخليج الأولى 1990-1991، وإنقاذ الكويت من غزو صدام حسين، الاعتراف بشرعية وأهمية العلاقة بين دول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة. على الرغم من التغيير العميق الذي أحدثته هذه التجربة في عقول وقلوب المجتمعات الخليجية، إلا أن الصورة الإيجابية للولايات المتحدة سرعان ما تلاشت حيث استأنفت واشنطن مواقفها المنحازة ضد مصالح العرب والدعم غير المشروط لأعمال إسرائيل ضد الفلسطينيين.
أعطى الربيع العربي مواطني الخليج سبباً آخر لعدم الارتياح للدور الأمريكي. في أيامها الأولى دعمت أمريكا الحركات الديمقراطية المتنامية في جميع أنحاء المنطقة. ومع ذلك بمجرد أن أدركت أن مصالحها الإستراتيجية على المحك، بدأت في تجاهل حملات القمع من قبل حلفائها والعودة إلى الاستبداد بطريقة أوسع. على خلفية هذه التطورات، سرعان ما فقد المواطنون العرب أي أمل في تصحيح أنظمة الحكم المعيبة لديهم. وبالتالي، فقدوا الثقة في الولايات المتحدة التي أدى دعمها للديكتاتوريات في النهاية إلى كسر الحركة الديمقراطية الفتية في العالم العربي.
بعد خمود ثورات الربيع العربي، واصلت الولايات المتحدة تقديم نفسها كحليف للأنظمة الاستبدادية باسم الاستقرار في دول مجلس التعاون الخليجي وفي جميع أنحاء العالم العربي مما أدى لازدياد حملات القمع ضد النشطاء والحركات الديمقراطية. خلال فترة ولاية الرئيس ترامب، عزز الدعم الأمريكي الصريح للاستبداد الصورة النمطية السلبية للولايات المتحدة كحامية للديكتاتوريين بين المواطنين العرب، مما جعل الرأي العام العربي يحتج بإزدياد على التعامل مع الولايات المتحدة كحليف. لكن على الرغم من ذلك، استمر المواطنون العرب والخليجيون في إيلاء اهتمام وثيق للتقارير والإجراءات والمواقف الأمريكية من القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان والديمقراطية وأوضاع العالم العربي.
الشارع العربي لا يزال يأمل في دعم الولايات المتحدة
لكن حتى بعد الربيع العربي، كان هناك أمل في تحسن الموقف الأمريكي تجاه حقوق الإنسان دون التستر على الانتهاكات التي ترتكبها الأنظمة العربية. بسبب التأثير الدولي لأمريكا والعلاقة الوثيقة بين الولايات المتحدة والعديد من الحكومات في الخليج، كانت التقارير الصحفية الأمريكية، وشهادات الكونجرس، وتصريحات الحكومة الأمريكية أكثر تأثيراً على سلطات دول الخليج من الجهود المبذولة داخلياً من آلاف النشطاء المحليين داخل دول الخليج نفسها. السبب واضح: الحكومات والسلطات ليست معنية بالحركات المحلية التي يمكن قمعها كما هي معنية بالموقف الأمريكي الذي يملك القوة الحقيقية لإحداث التغيير. وبالتالي ، فإن السلطات في الخليج ومجمل العالم العربي تستمع دائماً للأمريكيين وتهتم بتعليقاتهم بدرجة أعلى بكثير من الضغط الداخلي لأنها قادرة على إسكاتها بالاعتقال أو السجن أو النفي.
في هذا الصدد ، تبدو التجربة الكويتية مهمة للمقارنة. الحالة الكويتية هي مثال لتأثير الولايات المتحدة على السياسة الداخلية لدول الخليج. الكويت هي البرلمان الوحيد المنتخب في دول مجلس التعاون الخليجي وتتمتع بحياة سياسية نشطة وحيز للنقاش السياسي. في خضم الأزمة السياسية والديمقراطية الحالية، لا يزال الشارع يترقب التقارير والمناقشات والمواقف الأمريكية. وهذا ما يؤكده ما حدث مؤخراً في أعقاب تقرير أمريكي اتهم شخصية سياسية بارزة بالتورط في الفساد وغسيل الأموال فتم اعتقاله. في هذه الحالة، أدت التقارير الأمريكية إلى محاسبة جدية.
أصبح الشارع الكويتي والعربي عموماً أكثر اقتناعاً بأهمية التقارير الحكومية والإعلامية الأمريكية، خاصة تلك التي قد توحي بقدوم مطالب تضغط على السلطات العربية لمحاسبة الشخصيات التي من الصعب محاسبتها. إن الإيمان بأهمية الضغط الأمريكي في هذا الصدد، أو فيما يتعلق بحماية وتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان أصبح من الأمور التي تهم الشارع الآن. لذلك نرى أن السياسات الأمريكية قد أثرت حتى على طبيعة الحركات المحلية.
لم تكرس إدارة بايدن حتى الآن اهتماماً كبيراً للوضع في الكويت أو دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى. ومع ذلك من المهم ملاحظة أنه في حين استمرت المخاوف بشأن الوجود والموقف الأمريكي في الشرق الأوسط، فقد ربط “الشارع” الكويتي موقف الولايات المتحدة بالقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان ومعارضة الفساد. هذا التغيير في الموقف المجتمعي من الدور الأمريكي ليس واضحاً تماماً، وربما لا يرجع إلى زيادة الثقة في الدور الأمريكي، لأن الموقف الرسمي الأمريكي بالكاد أعطى أي كويتي أو خليجي سبباً ليكون أكثر تفاؤلاً. وعلى الرغم من ذلك ، فإن الثقة المتزايدة في دور أمريكا، والضغط من الولايات المتحدة، أصبح للأسف الخيار الوحيد للعرب الساعين إلى الإصلاح في مواجهة أدوات التغيير الضعيفة والمشتتة والخيارات المحدودة للقوى المؤيدة للديمقراطية في مواجهة شبكات الفساد القوية واستهداف أصوات الشباب الناشطة.
هذا يمثل تحدياً لإدارة بايدن. قام الرئيس بايدن بحملته على أساس منبر لحقوق الإنسان والديمقراطية ومعارضة الديكتاتوريات منتقداً النموذج الأمريكي التقليدي للتعامل مع الديكتاتوريات، وانتقد العديد من الحكام المستبدين بما في ذلك خصوم أمريكا وحلفائها. ربما أثارت هذه الخطوات استعداء بعض قادة دول مجلس التعاون الخليجي، لكنها شجعت على دعم الولايات المتحدة بين الجماهير العربية المؤيدة للديمقراطية. بطريقة أو بأخرى، الكرة في ملعب بايدن الآن، يمكنه فعل الكثير لتحفيز التطور الديمقراطي في دول مجلس التعاون الخليجي ، لكن إذا اختار التمسك بالمواقف الأمريكية التقليدية، فذلك سيكون سداً بوجه أي تقدم.
الدكتور عبد الهادي ناصر العجمي: شغل العديد من المناصب الأكاديمية والبحثية منذ عام 2004. د. العجمي يشغل منصب مساعد العميد للشؤون الأكاديمية والدراسات العليا في كلية الآداب في جامعة الكويت، وكذلك رئيس قسم التاريخ وعمادة الاستشارات والتدريب والتطوير.
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال هي آراء المؤلفين ولا تعكس بالضرورة آراء منتدى الخليج الدولي.

صفقة الغاز الطبيعي المسال الصينية القطرية: مرحلة جديدة للعلاقات بين الدوحة وبكين؟
June 19, 2021في 22 آذار (مارس) ، تم عقد صفقة طاقة دولية ذات أهمية كبيرة بين الصين وقط ردون إبداء أي أهمية للصفقة من الولايات المتحدة أو…

الانتخابات الرئاسية الإيرانية: اختبار فوضوي وأزمة شرعية
June 10, 2021تستعد جمهورية إيران الإسلامية لإجراء انتخابات أخرى مثيرة للجدل في 18 حزيران (يونيو). لكن هذه الانتخابات تتميز بتوقعات بإقبال منخفض تاريخيًا، حتى وفقًا لمصادر محلية….

وحدة المعارضة تستطيع إعادة تشكيل الواقع السياسي في الكويت
June 2, 2021لا شك أن أولئك الذين يتابعون الشؤون العامة للعالم العربي ومساره الشائك نحو التحول الديمقراطي سيدركون تزايد التحديات الديمقراطية التي تواجه المجتمعات العربية في…