
الانتخابات الرئاسية الإيرانية: اختبار فوضوي وأزمة شرعية
قادة إيران على دراية بتفاقم الاضطرابات، وهم يدركون أن مسؤوليتها تقع عليهم.
من بين عدم الاستقرار هذا، هناك شيء واحد مؤكد: سيواجه الرئيس الإيراني الجديد مجتمعاً مستاءً بشكل متزايد، بالإضافة إلى احتمال حدوث مزيد من الاضطرابات بسبب الافتقار إلى الحريات والآثار السلبية لسوء الإدارة الاقتصادية.
في هذه المرحلة، تخلت السلطات الإيرانية -بشكل مؤقت أو غير ذلك- عن هدف استمالة السكان. لكن من الواضح أن خامنئي يختار معاركه بعناية بصفته حاكماً ذكياً مصممًا على البقاء في السلطة وضمان بقاء النظام، لكنه في الحقيقة فقد “قلوب وعقول” شريحة كبيرة من ناخبيه.
تستعد جمهورية إيران الإسلامية لإجراء انتخابات أخرى مثيرة للجدل في 18 حزيران (يونيو). لكن هذه الانتخابات تتميز بتوقعات بإقبال منخفض تاريخيًا، حتى وفقًا لمصادر محلية. في الأيام الماضية وافق مجلس صيانة الدستور المكون من 12 عضواً والمكلف بفحص المرشحين على سبعة مرشحين فقط من بين حوالي ستمائة سجلوا أسماءهم للترشح. والجدير بالذكر أن المجلس منع من المشاركة ليس فقط الإصلاحيين البارزين مثل مصطفى تاج زاده وإسحاق جهانجيري (النائب الأول للرئيس روحاني)، ولكن أيضًا المحافظين البراغماتيين مثل علي لاريجاني والشعبويين مثل محمود أحمدي نجاد. من بين المرشحين السبعة المعتمدين، من المتوقع على نطاق واسع أن يفوز إبراهيم رئيسي، وهو الرئيس الحالي للنظام القضائي. رئيسي الذي لعب دوراً رئيسياً في إعدام آلاف السجناء السياسيين في عام 1988. لذلك يبدو أنه تم اختياره ليحكم من قبل خامنئي.
على الرغم من انعدام الثقة على نطاق واسع ومنذ زمن في استطلاعات الرأي، فقد تعاملت الجمهورية الإسلامية تاريخياً مع مشاركة الناخبين على محمل الجد. من أبرز الأمثلة الانتخابات الرئاسية لعام 2013 التي أتت بالرئيس حسن روحاني إلى السلطة. في ذلك الوقت، على الرغم من وجود استقطاب واسع النطاق بين الإيرانيين بسبب تزوير الانتخابات عام 2009 والتي أدت للثورة الخضراء، ناشد خامنئي الأمة للمشاركة في الانتخابات بغض النظر عما إذا كانوا يحبون الجمهورية الإسلامية أم لا، بل وسمحوا حتى لروحاني المعتدل نسبياً بالمشاركة.
لكن منذ عام 2013 تغيرت الظروف بشكل جذري. في حين أن الشرعية الانتخابية من خلال المشاركة كانت مهمة في السابق للجمهورية الإسلامية، إلا أنها لم تعد واحدة من أولوياتها الأساسية. وبدلاً من ذلك تحول تركيز النظام إلى ضمان بقائه عبر القمع وتلاعب انتخابي أكثر، آملاً أن يسمح ذلك بانتقال سلس إلى مرشدٍ أعلى أكثر تشدداً بعد وفاة خامنئي المريض.
انتخابات تشوبها المقاطعة
تمر جمهورية إيران الإسلامية في أزمات متعددة. في حين أن اقتصادها قد تعرض لضربة مباشرة من العقوبات الأمريكية الحادة، والفساد الداخلي، وسوء الإدارة الاقتصادية، فإن الموجات المتتالية من المظاهرات الدموية المناهضة للنظام طوال فترة حكم روحاني قد قوضت الحد الأدنى من الشرعية الانتخابية التي كانت الجمهورية الإسلامية قد صاغتها في السابق بين سكانها. مع تنامي الدعوات لمقاطعة الانتخابات المقبلة، أوضح استطلاع حديث أن عدم مبالاة أو عدم نية المشاركة بين الناخبين قد تصل إلى 78٪. لذلك يتسائل بعض المحللين عما إذا كان خامنئي سيلجأ إلى إصدار أوامر بحشو صناديق الاقتراع لخلق رواية عن ارتفاع نسبة الإقبال وإعطاء مظهر من الشرعية للعالم.
يبدو بوضوح أن المستويات العليا في السلطة مثل المرشد الأعلى ومجلس صيانة الدستور قد قررت على خلفية اللامبالاة الحتمية للناخبين تجاهل “الشرعية” والتركيز بدلاً من ذلك على بقاء النظام. ولهذه الغاية، يبدو أن خامنئي ومجلس صيانة الدستور قد قررا إضعاف المعسكر الإصلاحي من خلال منع الإصلاحيين البارزين مثل مصطفى تاج زاده من الترشح للانتخابات.
الغضب من تقييد مجلس صيانة الدستور التعسفي للمرشحين هو تذكير صريح بأن الانتخابات في إيران لم تكن نزيهة على الإطلاق. تتمتع الهيئات الإيرانية غير المنتخبة مثل مجلس صيانة الدستور بالسلطة الحقيقية من خلال فحص المرشحين على أساس مؤهلاتهم الإسلامية وولائهم للثورة الإسلامية. سابقاً تم تقديم نوافذ صغيرة من الفرص للسماح للإصلاحيين رفيعي المستوى بالترشح للانتخابات وتقديم وعود محيرة لجذب الإيرانيين إلى صناديق الاقتراع. ومع ذلك، فإن سنوات من الإحباط المتراكم للإيرانيين بسبب القوة المحدودة للمسؤولين المنتخبين، إلى جانب خيبة الأمل الواسعة تجاه الإصلاحيين أنفسهم، دفعت العديد من الإيرانيين ليس فقط إلى الابتعاد عن صناديق الاقتراع ولكن أيضاً لرفض النظام بأكمله.
إذا لم تتمكن من الانضمام إليهم، فحاربهم
يدرك المسؤولون في الجمهورية الإسلامية خيبة الأمل المتزايدة لدى الجماهير تجاه كل من الفصائل الإصلاحية والمتشددة في النظام. برزت خيبة الأمل هذه نتيجة الاضطرابات الزائدة التي حدثت خلال رئاسة روحاني، لا سيما خلال احتجاجات عامي 2017 و2019. وشهد الأخير مقتل أكثر من 1500 محتج بحسب تقرير مفصل لرويترز. كانت هذه الاحتجاجات فريدة من نوعها من حيث أنها حدثت في جميع أنحاء البلاد، حتى في معاقل المحافظين التي يُنظر إليها عموماً على أنها معاقل للنظام. واستهدفت الشعارات التي تم ترديدها جميع فصائل النظام، مما أثار استياء الحكام الإيرانيين المحافظين والإصلاحيين. وتلا ذلك إسقاط الحرس الثوري لطائرة تابعة للخطوط الجوية الأوكرانية، ما أسفر عن مقتل جميع الركاب وأفراد الطاقم. علاوة على ذلك، أدى سوء إدارة البلاد الكارثي لوباء فيروس كورونا، متبوعاً برفض المرشد الأعلى لاستيراد اللقاحات الأوروبية، إلى تفاقم العلاقات بين الدولة والمجتمع.
في هذه المرحلة، تخلت السلطات الإيرانية -بشكل مؤقت أو غير مؤقت- عن هدف استمالة السكان. لكن من الواضح أن خامنئي يختار معاركه بعناية بصفته حاكماً ذكياً مصمماً على البقاء في السلطة وضمان بقاء النظام، لكنه في الحقيقة فقد “قلوب وعقول” شريحة كبيرة من ناخبيه. تشمل هذه المعارك ضمان انتقال سلس للمرشد المقبل بمجرد وفاته أوعدم قدرته على العمل كمرشد أعلى، وكذلك الانخراط في مفاوضات محدودة مع الولايات المتحدة وأوروبا من أجل رفع العقوبات التي فرضت على إيران في عهد ترامب. بشكل حاسم، لا يتطلب أي من هذه الأهداف أي مظهر خارجي للشرعية الانتخابية لأن الولايات المتحدة مستعدة للتعامل مع دكتاتورية مثلما هي مستعدة للتعامل مع ديمقراطية. ومع ذلك، يمكن للعقوبات الاقتصادية المستمرة أن تمهد الطريق لمزيد من الاضطرابات في البلاد، حيث فقد الجماهير الثقة في النظام. بالنظر إلى أن النظام لا يعتمد على الشرعية الانتخابية، فإن الغضب الشعبي سيتحول بلا شك إلى عنف واضطراب، ويلوح في الأفق قمع واسع النطاق.
قادة إيران على دراية بتفاقم الاضطرابات، وهم يدركون أن مسؤوليتها تقع عليهم. يمكن لرئيس متشدد عازم على انتزاع المزيد من المكاسب من إدارة أمريكية حريصة على التفاوض أن يحاول تحسين صورة النظام، على الرغم من أن هذا قد يكون مهمة صعبة للغاية. وعلى الرغم من الضرورة الملحة لرفع العقوبات، إلا أن المتشددين في إيران يتميزون بمعارضتهم للانخراط مع أمريكا. وقد أشار رئيسي في مناسبات عديدة إلى كراهيته للمفاوضات. بالوقت ذاته بقدر ما تكون إدارته المستقبلية مستعدة للتفاوض، فمن المحتمل أن يكون ذلك لغرض اختبار الأمريكان وقياس مدى التنازلات التي يمكنهم تحقيقها منهم من دون تقديم تنازلات موجعة من قبل إيران.
من بين عدم الاستقرار هذا، هناك شيء واحد مؤكد: سيواجه الرئيس الإيراني الجديد مجتمعاً مستاءً بشكل متزايد، بالإضافة إلى احتمال حدوث مزيد من الاضطرابات بسبب الافتقار إلى الحريات والآثار السلبية لسوء الإدارة الاقتصادية. سيكون التعامل مع الانتخابات وتداعياتها بمثابة اختبار حاسم للجمهورية الإسلامية لنرى كيف يمكنها أن تحكم دون التظاهر بالشرعية.
وحيد يوجسوي: طالب دكتوراه في العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة مونتريال، كندا. متخصص في السياسة والاقتصاد السياسي الإيراني والتركي.
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال هي آراء المؤلفين ولا تعكس بالضرورة آراء منتدى الخليج الدولي.

The Tragedy of Tehran
June 1, 2023Perched on the foothills of the Alborz Mountains and home to 9.5 million residents, Tehran is the bustling capital of Iran, carrying the mantle of…

Perspectives: Turkey-Gulf Relations in Erdoğan’s Next Term
May 30, 2023Turkey and Saudi Arabia: A “Manageable Competition” Sinem Cengiz Non-Resident Fellow, Gulf International Forum; Research Assistant, Gulf Studies Center of Qatar University Turkish-Saudi relations are…

China’s Gulf Diplomacy and the Future of Taiwan
May 29, 2023As tensions between China and the United States mount over Taiwan, Beijing has been actively ramping up its economic and diplomatic engagement in the Gulf…