
وحدة المعارضة تستطيع إعادة تشكيل الواقع السياسي في الكويت
في حين أن الاضطرابات الحالية في الكويت كانت فوضوية وصعبة، فقد أظهرت أن الاختلافات داخل المجتمعات العربية، سواء كانت طائفية أو فكرية أو اجتماعية، يمكن حلها عندما يتم العمل لتحقيق أهداف أكبر أو عندما تكون المصلحة العامة بخطر مثل مكافحة الفساد وضمان التقدم الديمقراطي.
لا شك أن أولئك الذين يتابعون الشؤون العامة للعالم العربي ومساره الشائك نحو التحول الديمقراطي سيدركون تزايد التحديات الديمقراطية التي تواجه المجتمعات العربية في السنوات الأخيرة. في حين أن بعض هذه التحديات ناتجة عن عوامل خارجية هي بمجملها خارجة عن سيطرة الحكومة ويجب معالجتها على هذا الأساس، فمن الواضح أن بعض هذه التحديات قد تم إنشاؤه بشكل مصطنع من قبل مصالح النخبة التي يمكن أن تستفيد من السلطة والمحسوبية والفساد في العالم العربي.
في دول مجلس التعاون الخليجي، على سبيل المثال، ركز الخطاب السياسي المتداول على دور الثروة النفطية الهائلة لهذه الدول، والتي ساعدت بالتأكيد في حل العديد من القضايا المالية والتنموية في دول مجلس التعاون الخليجي. ومع ذلك، فإن استخدام السلطات للثروة النفطية لتمويل شبكات المحسوبية قد ساهم أيضاً بشكل كبير في افتقارها إلى الديمقراطية واللامبالاة تجاه المشاركة السياسية. ربما يمكن استبعاد الكويت من هذا التصنيف بسبب دور مجلس الأمة، لكنه يظل صحيحًا بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، التي تراجعت جميعها عن التحول الديمقراطي في السنوات الأخيرة على الرغم من التصريحات العلنية بخلاف ذلك.
ربما تكون الحالة الكويتية هي الأكثر إثارة للاهتمام على الإطلاق. بعد أكثر من خمسين عامًا على تشكيل أول برلمان لها، تواجه الأمة تراجعًا في التطورات والممارسات الديمقراطية. لقد نوقشت الأزمة السياسية الحالية في الكويت بإسهاب في عدة أماكن، لكن أحد الموضوعات التي تم تجنبها هو الانزلاق الديمقراطي الذي رافقها.
يمكن ملاحظة هذا التراجع بطريقتين: أولاً لم تتمكن المعارضة الكويتية التي تمكنت من تحقيق نصر انتخابي من استخدام أغلبيتها في البرلمان لإحداث التغيير بسبب معارضة مصالح النخبة المدعومة. ثانياً، بعد مقاطعة رموز الفساد في الكويت، تم الكشف عن النوايا الحقيقية للجهات السلطوية. من خلال مزيج من القوة والمحسوبية، وبتمويل من سرقة عائدات النفط وسوء إدارة موارد الدولة، تمكنوا من الاحتفاظ بالسيطرة شبه الكاملة على الكويت على الرغم من الرفض الشعبي.
“فرق تسد” لم تعد تعمل
في حين أن شبكة الفساد هذه التي تسيطر عليها النخبة الكويتية قد حققت نصيبها من النجاحات، فقد أظهرت الأحداث الأخيرة أنها غير قادرة على التنافس مع حركة شعبية حقيقية مؤيدة للديمقراطية ومحاربة الفساد. على مدى العقود الثلاثة الماضية، كان الأسلوب الأساسي للنخبة الكويتية في الحفاظ على السلطة هو تقسيم مجموعات المعارضة إلى فصائل أصغر على أسس طائفية ودينية وقبلية، وتحريض هذه الفصائل ضد بعضها البعض للتستر على الفساد. لا يمكن إنكار أن طريقة التقسيم هذه كانت فعالة للغاية في السيطرة على المجتمع الكويتي وتعطيل التحديات التي تواجه الطبقة الفاسدة.
من خلال الاستخدام الماهر لهذه التكتيكات، تمكنت الطبقة السائدة الكويتية من إجراء انتخابات حرة ظاهريًا دون أدنى شك في الفوز. لكن هذه التكتيكات لم تعد تعمل. مع تصاعد الفساد وتزايد السخط الشعبي تجاهه، لم تعد الطبقة الحاكمة قادرة على الفوز في انتخابات نزيهة. وهكذا بدلاً من تسليم السلطة إلى طبقة ديمقراطية حقيقية بعد فوز المعارضة في الانتخابات، فقد أوقفوا عمل الدولة لبعض الوقت عن طريق إحداث أكبر قدر ممكن من الاضطراب، وإطالة أمد الجمود، وتوسيع الفجوة بين الشعب وحكامهم.
بعد فوز المعارضة الحاسم في انتخابات ديسمبر 2020، فازت الأغلبية الشعبية بثلاثين مقعدًا من أصل خمسين مقعدًا منتخباً في مجلس الأمة. بالنظر إلى هذه الأغلبية المطلقة الواضحة، كان من المفترض أن تتمتع المعارضة بسلطة تشكيل الحكومة وتقديم مرشحها الخاص لمنصب رئيس البرلمان. ومع ذلك، استخدمت القوى الاستبدادية في الحكومة وسائل مخادعة لتقسيم المعارضة والحفاظ على الوضع الراهن، وتجاوز الإرادة الشعبية.
وكانت النتيجة النهائية لذلك أن الوجوه الفاسدة نفسها التي رفضها الشعب بأغلبية ساحقة في ديسمبر / كانون الأول ظلت في الحكومة. رئيس مجلس النواب، الذي أصبح رمزا لرد فعل النخبة ضد الإرادة الشعبية بعد أن اختار معارضة المطالب الشعبية، لا يزال مسيطرا على المجلس على الرغم من غالبية النواب الذين يعارضونه. وفي إحدى الحالات، عملت الحكومة سراً على إلغاء عضوية عضو مؤثر وشعبي من الأغلبية المؤيدة للديمقراطية، مما أثار غضب المعارضة.
كيف وحد النائب الوسمي المعارضة
عند إجراء انتخابات على هذا، المقعد رشحت المعارضة أستاذ القانون الدكتور عبيد الوسمي ليحل مكان النائب المعزول. تحول هذا الحدث إلى تعبير عن الحالة الجديدة للمعارضة السياسية في الكويت. ولأول مرة وضع السلفيين، والإخوان المسلمين، والجماعات الشيعية، والنسويات، والليبراليين التقليديين، والحركات اليسارية، خلافاتهم جانبًا لدعم الوسمي. على الرغم من الاختلافات السياسية والدينية الواضحة بين هذه الجماعات، إلا أنها اتحدت وراء مرشح واحد يمكنه تحدي النخب الفاسدة – وانهار أمل الحكومة في أن تقسم هذه الجماعات التصويت من خلال ترشيح مرشحيها مع انسحاب مرشحين طائفيين منفصلين. في يوم الانتخابات فاز الوسمي بنسبة 93٪ من الأصوات، وربما كانت المرة الأولى في الشرق الأوسط التي يفوز فيها أي مرشح في انتخابات نزيهة بمثل هذا الحصة الهائلة من الأصوات.
ما هي الدروس التي يمكن تعلمها من انتصار الوسمي المذهل؟ في هذه الحالة، يبدو من الواضح، بدرجة أكبر مما توقعه أحد، أن الجماعات الأيديولوجية الكويتية أبدت مرونة واستعدادًا لاستيعاب الاختلافات فيما بينها في السعي لتحقيق هدف مشترك. كما يظهر رفضًا مطلقًا للنخبة السياسية في الكويت، وعدم رغبة المعارضة في التلاعب بها للانقلاب على بعضها البعض، والتضحية بالديمقراطية من أجل الفوز الأيديولوجي. لذلك إذا استطاعت المعارضة الكويتية أن تظل موحدة، فلا شك أنها ستخلق واقعًا سياسيًا جديدًا على عكس أي واقع سابق في الخليج. في حين أن هذا سيستغرق الكثير ليحدث، فإن ما حدث بالفعل غير مسبوق على الإطلاق. حتى المرشحين القبليين، الذين يدافعون بشدة عن مصالحهم الخاصة، أبدوا استعدادًا لتنحية تلك المصالح جانباً ودعم الوسمي لما فيه خير الوطن. في الكويت، هذا لا يحدث ببساطة، وحقيقةً أن هذا الحدث يجب أن يخيف المسؤولين الفاسدين.
ومن الواضح أيضًا كيف توحدت هذه القوى المتباينة في تحدٍ للحكومة ورئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب وشبكات المحسوبية والفساد. وقد تشكلت هذه الحقيقة بلا شك من خلال الحرية الفكرية في الكويت، والتي استمرت على الرغم من جهود بعض السلطات للسيطرة عليها. من خلال طرق التأثير القديمة، مثل الخطب الدينية، وكذلك من خلال الأساليب الحديثة كوسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت هذه التغييرات الفكرية حقيقة دفعت التغيير الاجتماعي في الكويت.
باختصار، في حين أن الاضطرابات الحالية في الكويت كانت فوضوية وصعبة، فقد أظهرت أن الاختلافات داخل المجتمعات العربية، سواء كانت طائفية أو فكرية أو اجتماعية، يمكن حلها عندما يتم العمل لتحقيق أهداف أكبر أو عندما تكون المصلحة العامة بخطر مثل مكافحة الفساد وضمان التقدم الديمقراطي. عندما يتحقق ذلك من قبل المجتمع، يمكن بناء الجسور بين القوى الاجتماعية المختلفة، في كل من الكويت ودول الشرق الأوسط الأخرى التي تتصارع مع السلطوية والفساد. ما حدث في الكويت كان غير مسبوق، ولكن إذا استمرت الاتجاهات الحالية، فلن يكون سوى الخطوة الأولى في تغييرات شاملة قادمة.
الدكتور عبد الهادي ناصر العجمي: شغل العديد من المناصب الأكاديمية والبحثية منذ عام 2004. د. العجمي يشغل منصب مساعد العميد للشؤون الأكاديمية والدراسات العليا في كلية الآداب في جامعة الكويت، وكذلك رئيس قسم التاريخ وعمادة الاستشارات والتدريب والتطوير.
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال هي آراء المؤلفين ولا تعكس بالضرورة آراء منتدى الخليج الدولي.