أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مؤخراً أن العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران مخالفة للقانون الدولي. وهو ليس الوحيد الذي عبّر عن استياءه من العقوبات، حيث قدم الأوروبيون وغيرهم من حلفاء الولايات المتحدة شكاوى مماثلة. يكمن القلق في إمكانية اتخاذ إجراء أحادي الجانب ضد إيران بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي- الذي تم توقيعه والالتزام به من قبل إيران والأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي بالإضافة إلى ألمانيا. وقد قام أردوغان بما هو أكثر من ذلك وصرح بأن أنقرة لن تلتزم بالعقوبات. الجدير بالذكر، أن تركيا كانت تستورد 50٪ من نفطها و 20٪ من الغاز الطبيعي من إيران. وكمبرر لموقفه، يشير أردوغان إلى التأثير الحاد الذي يمكن أن يحدثه خفض هذه المشتريات على حاجة تركيا للطاقة في الاستخدمات الصناعية والمنزلية. هل يمكن أن يوفر هذا الاعتماد التركي على النفط الإيراني وموقف أردوغان المعارض للعقوبات على مصدر الدخل الرئيسي لإيران في مواجهة العقوبات الأمريكية؟
يمكن وصف العلاقات التركية الإيرانية خلال العقد الماضي بأنها معقدة. تمكنت الدولتان من السيطرة على التوترات ونجحت في إنقاذ علاقاتهما على الرغم من وجود نمط متكرر من الصعود والهبوط. أثبتت الدولتان أيضًا قدرتهما على تجزئة علاقاتهما من خلال استمرار العلاقات الاقتصادية على الرغم من المشكلات السياسية والأمنية العرضية. بلغ إجمالي تجارة تركيا مع إيران حوالي 11 مليار دولار، منها 7.5 مليار دولار من الواردات. من المتوقع أن يصل هذا الرقم إلى 30 مليار دولار أمريكي في إجمالي التجارة. في السابق، كانت تركيا قادرة على الحصول على إعفاءات ووجدت طرقًا لتجنب العقوبات التي تم إعادة فرضها ضد إيران. المشكلة الآن هي ما إذا كان بمقدور تركيا تجنب الآثار السلبية للعقوبات الأمريكية في حالة استمرارها في هذه العلاقة التجارية.
خلال فترة الربيع العربي، اختارت تركيا وإيران توجهين مختلفين (وفي حالة سوريا، كانتا طرفان متنافسان). دعمت تركيا الانتفاضات الشعبية في الدول العربية وتحولاتها اللاحقة إلى حكم الأغلبية، بينما اعتبرت إيران الانتفاضات تحديا لاستقرارها الداخلي وحاولت رفع جدران الحماية ضد أي وصول محتمل لموجات التغيير في إيران. في حين أن تدخل تركيا في سوريا يتمحور حول كيان كردي محتمل يتمتع بحكم ذاتي، فإن مشاركة إيران الحاسمة في دعم نظام الأسد تهدف إلى حماية ارتباطها بالعناصر الشيعية ونفوذها من العراق إلى لبنان.
على الرغم من الاختلافات الكبيرة، والعواقب الأمنية لتلك الاختلافات، ما زالت تركيا وإيران، مع روسيا، قادرة على تأسيس عملية أستانا السياسية لتنسيق جهودها من أجل حل سياسي في سوريا. كان المنطق هو استخدام أدوار هذه الدول الثلاثة كمكمل لطرق أخرى، مثل العملية السياسية في جنيف، لمعالجة الحرب الأهلية في سوريا. تريد كل من تركيا وإيران حماية سلامة أراضي السورية وتعارضان أي دور للجماعات المرتبطة بحزب العمال الكردستاني في البلاد. نجحت أنقرة وطهران في تحقيق توازن حيث توصلتا إلى تفهم للمخاوف الأمنية لكل منهما. بالإضافة إلى ذلك، لم تثر طهران حتى الآن أي اعتراض على الوجود العسكري التركي في إدلب.
كما أن لروسيا دور أكبر في سوريا من كل من إيران وتركيا من حيث المشاركة العسكرية والسياسية والدبلوماسية الدولية. لذلك، تعتمد أنقرة وطهران على موقف موسكو في تعاملاتها مع سوريا. بالإضافة إلى ذلك، تعد روسيا حليفًا مستجداً لتركيا، وتفضيل موسكو تاريخياً لإيران في حالة وقوع مشاكل لها مع الولايات المتحدة. وصلت العلاقات التركية-الروسية إلى مستوى جديد بعد أن اشترت تركيا نظام الدفاع الصاروخي S-400 على الرغم من التهديد الأمريكي لفرض عقوبات وطرد تركيا من برنامج مقاتلات الشبح طراز F-35. وتعتمد إيران على روسيا لشراء أنظمة الأسلحة وحشد الدعم الدولي ضد العقوبات الأمريكية.
تعتبر محادثات تركيا المستمرة مع الولايات المتحدة لإقامة منطقة آمنة إلى جانب الحدود التركية السورية مصدر إزعاج في كل من موسكو وطهران. لذلك إن تدخل أنقرة العسكري المتزايد في سوريا من شأنه أن يضع تركيا على خلاف مع جميع الأطراف إذا لم تتمكن من السير على الخيط الرفيع لهذه السياسة. أولاً، يجب أن يكون هناك توازن بين التحالفات مع الولايات المتحدة وروسيا/إيران في سوريا. ثانياً، من شبه المؤكد أن الوجود العسكري التركي في سوريا يشكل مصدر قلق بالغ لإيران وروسيا ونظام الأسد، حيث أن موقف هذه الدول هو الموافقة أو ببساطة عدم معارضة تدخل تركيا العسكري على المدى القصير في شمال سوريا. بهذا المعنى، هناك تنافس جيوسياسي مؤجل بين تركيا وإيران في سوريا.
يدرك صانعو السياسة التركية خطورة قضية العقوبات الإيرانية، حيث أدت الوساطة التركية البرازيلية إلى التوصل إلى اتفاق غير حاسم بين إيران والولايات المتحدة في عام 2010. إلا أن اتفاق طهران لم يلب مطالب الإدارة الأمريكية في ذلك الوقت. من المحتمل أن الولايات المتحدة لم تتوقع أبدًا أن تنجح تركيا والبرازيل في إقناع إيران بالتوقيع على الصفقة. الجدير بالذكر أنه كان لدى الرئيس أردوغان فهم لأهمية القضية النووية الإيرانية بالنسبة للإدارة الأمريكية واعترف بالأبعاد الدولية للمشكلة. بالنسبة له، كان من الواجب الأخلاقي دعم إيران ضد فرض العقوبات بصورة غير عادلة. ومع ذلك، يلزم أن يكون هناك مستوى عال من الحساسية الدولية للامتثال للعقوبات من أجل تجنب الرأي العام السلبي وغيرها من العواقب بالنسبة لتركيا. لذلك، من المتوقع أن أردوغان سيراقب أي إجماع ومواقف دولية تجاه العقوبات الأمريكية الجديدة.
على الرغم من الخطاب السياسي ضد العقوبات الأمريكية على إيران، فإن تركيا تلتزم بها عندما ننظر إلى تجارة النفط الإيرانية فقد انخفضت واردات تركيا من النفط الإيراني من 50 إلى 15 بالمئة من احتياجاتها بعد تطبيق العقوبات. أكبر مصفاة في تركيا (TUPRAS)، هي المشتري الرئيسي للنفط الإيراني. لذلك، من المؤكد أن (TUPRAS) لن ترغب في مواجهة العقوبات الأمريكية. إن بحث تركيا عن إمدادات نفط بديلة سيزيد من اعتماد تركيا على واردات الطاقة من روسيا لأن هناك بالفعل درجة عالية من الاعتماد على إيران للحصول على الغاز الطبيعي والفحم والطاقة النووية المحتملة. ستحاول أنقرة تأمين الإعفاءات أو البحث عن طرق للتحايل على العقوبات. تبدو فرصة تجاوز العقوبات أقل من الحالات السابقة. ويبدو خطاب أردوغان القاسي بمثابة رسالة موجهة إلى جمهور محلي لأغراض سياسية داخلية، بدلاً من كونه التزام حاسم بتجاهل العقوبات.
هل ستكون تركيا قادرة على إنقاذ إيران من العقوبات؟ لم يكن هذا هو الحال على الإطلاق، والآن لم يعد الأمر كذلك. بدلاً من ذلك، سوف تتعامل تركيا مع التحديات التي إذا تم التعامل معها بشكل غير صحيح قد تضع تركيا نفسها في موقف إشكالي خلال فترة ما بعد العقوبات على إيران. أولاً، في الوقت الذي تتبع فيه أنقرة سياسة حساسة لتأمين وجودها في سوريا بالاتفاق مع إيران وروسيا، فإنها ستلتزم بالعقوبات لتجنب أزمة جديدة مع الولايات المتحدة. ثانياً، قد تجد تركيا نفسها تحت ضغط في خضم تنافس سعودي إيراني مدمر. ثالثًا، ستواجه تركيا آثارًا مدمرة بسبب احتمال وجود إيران غير مستقرة. بالنسبة لإيران، يمكن لدعم تركيا الخطابي أن يساعد في حشد مواقف دولية مضادة للموقف الأمريكي. ومع ذلك، فإن المعنيين الرئيسيين بهذه الاستراتيجية هم روسيا والصين، من جهة، والاتحاد الأوروبي، من جهة أخرى، وليس تركيا. وبالتالي ستكون أجندة أنقرة هو التقليل إلى أدنى حد من الآثار السلبية للعقوبات على العلاقات الداخلية والإقليمية والدولية لإيران وتركيا. من الصعب أن تؤدي هذه الاحتمالية إلى إنقاذ إيران من العقوبات.
الدكتور بولنت أراس, زميل في مركز إسطنبول للسياسات وأستاذ زائر للعلاقات الدولية في معهد رينسيلير للفنون التطبيقية.
وجهات النظر والآراء الواردة في هذا المقال هي آراء المؤلفين ولا تعكس بالضرورة رأي منتدى الخليج الدولي.